ضحّت بحياتها من أجل إنقاذ بناتها، عندما شعرت أن الميكروباص في طريقه للسقوط في الترعة، كان كل الركاب في خطر، فقررت أن تقدم تضحيتها العظمى. ماذا حدث لحظة الحادث، وكيف نجت بناتها من الموت؟ شجاعة الأم شريهان عثمان التي غيرت مصير أطفالها في لحظةٍ فارقة.
بدأت الحكاية في أحد الأيام العادية عندما كان ميكروباص قادم من ديروط متجهًا إلى أسيوط، محملاً بالركاب. كان السائق يتوقف عند الطريق لجذب المزيد من الركاب، وتوقف ليدعو الركاب حتى يكتمل العدد. وبعدما اقترب الميكروباص من الوصول إلى العدد المطلوب (11 راكبًا)، وقف السائق خارج السيارة لتنادي الركاب على الطريق، لكنه لم يكن قد شدَّ فرامل اليد، وفجأة بدأت السيارة تتحرك للوراء بسرعة كبيرة في اتجاه الترعة القريبة.
بدأ الركاب يصيحون في وجه السائق محاولين تحذيره، لكنهم أدركوا أن الوقت قد فات، فقد كانت السيارة تقترب بسرعة من حافة الترعة. هنا، كانت لحظة الحسم بالنسبة للأم شريهان عثمان، التي كانت تجلس في المقعد الذي خلف السائق، وهي برفقة طفليها الصغيرين.
وفي اللحظة التي أدركت فيها أن السيارة ستسقط في الترعة وأن حياتهم جميعًا في خطر، لم تفكر شريهان إلا في إنقاذ بناتها. في مشهد مليء بالشجاعة والتضحية، قررت أن تدفع أولاً ببناتها خارج الميكروباص. وفي اللحظة التي كانت فيها السيارة تغرق، قامت برمي الطفلة الأولى من النافذة وسط صرخات ودموع، ثم تلتها الطفلة الثانية. كانت تردد بصوتٍ مبحوح: "خدوا العيال.. أنقذوهم!"، دون أن تفكر في مصيرها.
آخر ما رآه الركاب كان شريهان وهي تنظر إلى بناتها من بعيد، عيونها مليئة بالأمل، وكأنها تقول لهم: "عيشتكم أهم من حياتي". وبعد ثوانٍ قليلة، سقط الميكروباص في ترعة الإبراهيمية، وغرق مع ركابه. إلا أن اثنين من الركاب تمكنا من القفز في الوقت المناسب.
وبعد وصول فرق الإنقاذ النهري، كانت المفاجأة: لم يجدوا أحدًا في الميكروباص. وبالرغم من الجهود المضنية لإنقاذ الركاب، لم تنجح أي محاولة للوصول إلى شريهان، حيث جرفها التيار القوي في الترعة واختفى الميكروباص بشكل كامل.
أما البنات، فقد نجوا بفضل تضحية والدتهما. ما حدث لهذا الميكروباص أصبح حديث مدينة ديروط، حيث يروي الناس الحكاية بحزن وفخر، عن "الست اللي ضحت بحياتها عشان ولادها يعيشوا". والدة شريهان كانت لا تفارق الشاطئ، عيونها تغرق في دموعها وهي تدعو لابنتها: "اطلعي يا بنتي.. يا رب طلعها".
وهكذا، تبقى قصة شريهان عثمان شاهدة على أقصى درجات التضحية الأمومية، لتكون درسا في الشجاعة والمقاومة.